ثمة جانب في الثورة السورية يتم التغاضي عنه، وهو قضية ملكية الأراضي والصراع عليها.
في آذار 2011، حين أرسلت الحكومة السورية ممثلين عنها إلى مدينة درعا لتسمع مطالب المحتجين، بعد بدء الاحتجاجات بأيام قليلة، أحد المطالب التي سمعوها من المحتجين كان إنهاء رقابة الأجهزة الأمنية على جميع عقود بيع وشراء الأراضي والعقارات.
في السنتين التاليتين اللتين شهدتا توسع الاحتجاجات لتشمل باقي مناطق القطر، تم تسجيل حالات صراعات على ملكية الأراضي على كامل الأراضي السورية، إذ حاول الناس الاستفادة من انسحاب السلطة وغياب أي مظاهر لوجودها، من أجل تثبيت حقوقهم.
في السنوات المقبلة، حين تتعافى سوريا من الحرب التي تنهكها، ستغدو مخاطر الصراع على ملكية الأراضي قضية متعاظمة الأهمية.
بعض من مُلاّك الأراضي الواسعة الذين شهدوا مصادرة أراضيهم في عملية التأميم التي حدثت في أواخر خمسينات القرن الماضي، وعندما تولى حزب البعث سلطة الحكم، سوف تعلو أصواتهم شيئاً فشيئاً مطالبين باسترجاع أراضيهم أو بتعويضات مناسبة تدفع لهم مقابل ما فقدوه.
في شمالي شرق البلاد، سوف ترتفع أصوات الأكراد الذين صادرت الحكومة أراضيهم في ستينيات القرن الماضي وأعادت توزيعها على العوائل العربية التي تم نقلها إلى هذه المناطق في ما يُعرف بالحزام العربي، مطالبة باسترجاع أراضيهم. في الوقت نفسه، سوف تعلو أصوات العديد من المزارعين والقبائل الذين كانوا غير راضين عن العملية التي قامت بموجبها الدولة بإعادة توزيع الأراضي الزراعية للدولة في سنوات ما بعد العام 2000.
في المراحل المقبلة، وعندما يحين وقت إعادة الإعمار والتوطين، فإن قضية الأراضي وملكية العقارات سوف تكون مثار جدل لا يقل تعقيداً في المناطق المحيطة بمراكز المدن الكبرى، والتي شهدت في العقود القليلة المنصرمة توسعاً للسكن العشوائي غير المرخص. وما سيزيد الصراعات تفاقماً هو ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات الذي شهدته مراكز المدن في العقد الذي سبق الانتفاضة.
فعلياً، كشفت الاحتجاجات على مدى عامين ونصف في سوريا العديد من الصدوع في المجتمع السوري، لكنها فتحت أيضاً صندوق “باندورا” على قضية ملكية الأراضي. لكن إذا ما أراد السوريون إيجاد حلول طويلة الأمد لإنهاء الصراع، لا يمكنهم أن يتجاهلوا نقاش هذه القضايا.